مفهوم الصوم في تراث البشرية

يتزامن صدور هذا العدد من مجلة التراث العربي، وهو العدد الأخير من أعداد عام 2004 مع حلول شهر رمضان المبارك. وهو الشهر الذي فرضه الله على المسلمين في نص الآية:‏

(يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون((1)، فاكتسب هذا الشهر قدسيته من كونه أصبح الملازم لفريضة الصوم على الرغم من أنّ فريضته واكبت ـ آنذاك ـ أشدَّ أشهر الصَّيف حرارة، ومن شدة الحرارة التي هي (الرمض) اشتُق اسم رمضان، ولكنَّ رمضان تميّز بخصائص أخرى رسخت قدسيته عند المسلمين، كنزول القرآن فيه، ألم يقل عز وجل: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن((2) وعزَّزت قدسيته أيضاً مجموعة من الأحداث التاريخية والعسكرية التي اعتبرها العرب والمسلمون مفاصل حاسمة في تاريخهم، وتاريخ انتصاراتهم في صراعهم من الخصوم والمعتدين والطامعين، لعلّ آخر هذه الانتصارات ما كان في العاشر من رمضان الموافق للسادس من تشرين عام 1973، الذي سجله التاريخ باسم انتصار حرب التحرير، حرب تشرين (أكتوبر) إذ سجّل العرب انتصارهم الأول على الصهيونية المعتدية المتغطرسة.‏

غير أن ظاهرة الصوم ظاهرة سبقت الإسلام، إذ عرفتها الديانات السماوية، وحتى غير السماوية، فقد مارستها الأمم والشعوب والأعراق والديانات الوثنية في الشرق والغرب. ولهم في كل ذلك أهداف وغايات قد تخرج عن المغزى الديني إلى أغراض أخرى، فقد مارس الصوم أفرادٌ وجماعات، تعدَّت الغرض الديني إلى أغراض صحية واجتماعية وأخلاقية. وإذا كان الغرض الديني يستقطب ما قالته الكتب المقدسة وأقوال الأنبياء والصالحين ورجال الدين فإن الغرض الصحي استقطب الأطباء والحكماء والباحثين في الشؤون الطبية والغذائية وأمراض الجسد، وشكوى البدانة، ويجمع كل هؤلاء على أن الصوم يدخل في معالجة الكثير من الأمراض الجسدية وحتى النفسية والاجتماعية.‏

وإذا رغبتَ في مزيد من التفصيل في معالجة ظاهرة الصوم فسيطالعك في هذا العدد بحث مفصل يؤرخ لهذه الظاهرة عند أمم الأرض، وعند المسلمين وعند أطباء الغرب والشرق وآرائهم في منافع الصوم وفوائده.‏