مـــنــتـــــــــــديـــــات الــــــــــعــــــــــاشـــــــــق الــــــــرومــــــــانـــــس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مـــنــتـــــــــــديـــــات الــــــــــعــــــــــاشـــــــــق الــــــــرومــــــــانـــــس

][][§¤°^°¤§][ العاشق الرومانس مرحبا][§¤°^°¤§][][
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ألف ليلة وليلة الذكورة والأنوثة:(تآلفٌ أم تنافر) موضوع جديد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
معتز
Admin
معتز


المساهمات : 168
تاريخ التسجيل : 29/05/2008
العمر : 31

ألف ليلة وليلة الذكورة والأنوثة:(تآلفٌ أم تنافر) موضوع جديد Empty
مُساهمةموضوع: ألف ليلة وليلة الذكورة والأنوثة:(تآلفٌ أم تنافر) موضوع جديد   ألف ليلة وليلة الذكورة والأنوثة:(تآلفٌ أم تنافر) موضوع جديد I_icon_minitimeالإثنين أغسطس 11, 2008 7:50 am

فـ (الليالي)، ومنذ استهلالها، تبرز لنا أسباب الخلافية بين الرجل والمرأة، وسوء الحال، والأمزجة، والهزّة التي أصابت قصر الملك (شهريار) بخيانة زوجته ــ الملكة له. و(الخيانة) هي (الخلاف) و(القطيعة)، و(الموت) ليس لذات واحدة، وإنما للذات القادرة على فعله أيضاً. صحيح أن (شهريار) كان قادراً على تجسيد فعل الموت، وقد قتل حوالي ألف أنثى بكر، لكن الصحيح أيضاً أن ذات (شهريار) كانت تعاني من (موت) ما بدأ ينمو ويتطاول منذ مشاهدته لتلك المعاشرة المرعبة ما بين زوجته ــ الملكة وعبدها الأسود (مسعود)، ولم يوقف هذا النمو المتصاعد للموت سوى الكلام المعادل للحياة؛ أي كلام (شهرزاد) الذي أثَّر كثيراً، وباستمرار، في الذات الشهريارية، فأطلقت روح الحب وطيوفه بدلاً من استمرارية الموت وطيوفه اليومية، وهنا كانت المغايرة، والبنائية الجديدة التي عدّلت من سلوك (شهريار) وتصرفاته تجاه النساء في مملكته.‏

إنو(شهرزاد) في (الليالي) تبدي بوضوح أن سوء العلاقة ما بين (الرجل) و(المرأة) لا يأتي من طرف واحد. بقولة أخرى، ليست المرأة لأنها امرأة هي سبب سوء العلاقة مع الرجل، وليس الرجل لأنه رجل هو سبب سوء العلاقة مع المرأة. أي أنه لا توجد (طبيعة) أو (خاصية) أو (علّة) في ذات كل منهما تسبب تدمير العلاقة مع الآخر. إن الأسباب المؤدية إلى التنافر نابعة من الطرفين.. بوجود الوسيط المجتمعي (الإكراه، الاغتصاب، الإذلال، الضرب، الهجر..)؛ تماماً كما هي أسباب اللحمة واللقيا والحب إلى حد التماهي نابعة من الطرفين معاً وبوجود الوسيط المجتمعي (الحب، المودة، الحنان، اللطف، العشرة، التقدير، الاحترام..).‏


إن (شهرزاد) بقصّها، وحكاياتها، وحالما تبدأ الحديث، تأخذ (شهريار) على طبق من الخدر اللذيذ الناعم، ليحلق في عوالم المرأة والأنوثة التين لا يعرفهما، والتين لم يعرفهما، وقد نَفَر منهما، وطلَّقهما ليس منذ رؤيته لمشهد خيانة زوجته له، وإنما منذ رؤيته لأمه وهي تعاشر بعض عبيدها في قصر والده العجوز حين كان صغيراً؛ علاقتُهُ بالدنيا علاقة بصر ورؤية؛ وعلاقة دهشة وانفعال، وعلاقة فرح وسرور باذخين، أو علاقة حزن وانطواء جارفين أيضاً، علاقة خارجية، وقشرية تماماً، لكنها ــ للأسف ــ مؤثرة في أبعاد نفسه تأثيراً شديداً. وإلا بماذا يفسر ابتعاده الطويل (فتى، وشاباً، ورجلاً) عن عوالم المراة والأنوثة؟!‏

ومن المؤلم أن الحال التي وصل إليها (شهريار) كانت (حال) انسحاب من عالم المرأة وعالم الأنوثة، إلى أن قيّض له الزمان أنثى مثل (شهرزاد) أعادته إلى هذا العالم الأنثوي السحري الآسر الحالم إن كان رضياً، معافى؛ المحبة هواؤه!! ولعل هذا (الانسحاب) انسحاب (شهريار) من عالم الأنوثة، وعالم المرأة بعدما رأى ما رأى، (من معاشرة أمه لعبيدها، ثم استعادة المشهد ذاته مع زوجته وعبيدها) هو كارثة حقيقية بحق البنية الاجتماعية التي لا تؤثث حياتها إلا بالمرأة، إذ إنّ الحياة تغدو يباساً من دون المرأة (رهافة، وحضوراً، وظلاً، ومعنى..). ولكن هذا الانسحاب من عالم المرأة يعدّ انسحاباً استثنائياً في تاريخ البشرية، وله دلالة وظيفية مؤداها أنها أعادت (شهريار) إلى هذا العالم الأنثوي ليتذوق جماله، وليعرف مفاتنه، وليذوب بأنفاسه وحلاوة ريقه من جهة، ولأنه كان السبب الجوهري في تدوين (الليالي) وحفظها من جهة ثانية لتصير كتاب المرأة ونبعها المؤثل بالاجتماعية الصافية.‏

والباحث عن مواطن تشابك العلاقة ما بين (الرجل) و(المرأة) سواء أكان تشابكاً إيجابياً مثمراً أو تشابكاً سلبياً مدمراً، سيجد الكثير إلى الحد الذي يكاد يكون متوازناً من حيث خيانة (الرجل) للمرأة، أو خيانة (المرأة) للرجل، أو من حيث موفقية العلاقة الزوجية فيما بينهما. فـ (الليالي) ومنذ غلافها الأول، وحتى غلافها الأخير تؤكد بإصرار أن النساء لسن سواء، وأن ثمة فروقاً هائلة ما بين النساء في نقاط السلب والإيجاب، ومواضع الحمد والذم. فالمرأة ليست (غواية)، ولا (شيطاناً) كما أنها ليست هي نسخة واحدة عن (حواء) أو (زليخة) وإن بدت كذلك في بعض النماذج، لأن أسباب الغواية ليست علوقة برقبتها وحدها، وإنما يقاسمها في (هذه الأسباب) اثنان، هما: الرجل والظروف. وشهوة المرأة تجاه الرجل لا تبدو في قحة إلا في ظروف استثنائية كأن يكون الزوج مسافراً سفراً منقطعاً عنها، فلا تعلم عنه شيئاً أو أنها تعلم عنه أخباراً تناقلها الركبان، أو الأصدقاء، تقول إنه يعيش في هناءة مع امرأة أخرى اتخذها زوجة أو سرية. وكذلك في حالات السفر التي تجعل الزوج يذهب باتجاه المال، والأمكنة، والمرأة الأخرى بكليته دون الالتفات أو الاهتمام بزوجته الأولى (جسداً، وروحاً، وعاطفةً) وقد تركها وراءه. أو كأن يحدّث الزوج زوجته عن صديق له، ناعتاً إياه بكل الأوصاف الجميلة والرائعة المرغّبة لها فيه دون أن يدري الزوج، تماماً مثلما حدث لـ (عبيد الجوهري) وهو يصف لزوجته (حليمة) التاجر (قمر الزمان)، فيقول:‏

* »جميل الصورة، له عيون تجرح، وخدود تقدح، وله فم كخاتم سليمان، ووجنات كشقائق النعمان، وشفاه حمر كالمرجان، وله عنق مثل أعناق الغزلان، وهو أبيض مشرب بالحمرة، ظريف لطيف كريم.. الخ«(2).‏

وحين تعشقه سماعاً (والأذن تعشق قبل العين أحياناً) تقول له، »وهل يوجد فيه شيء من محاسني؟!« فيقول لها: »جميع محاسنك، كلها فيه، وهو شبيهك في الصفة، وربما كان عمره قدّ عمرك«(3) فهنا، أية حماقة يرتكبها الزوج بحق زوجته؟! ومن يبني الدرب الموصل إلى الخيانة؟! الزوج أم الزوجة؟!‏

وتظلّ أسباب خيانة الرجل للمرأة ــ الزوجة متعلقة على بحثه الدائم عن الجمال ولطافة السلوك والتصرف والمعشر، أو المثلية؛ أما أسباب خيانة المرأة للرجل فتعود في أغلب حكايات (الليالي) إلى هجر الرجل للزوجة، واهتمامه بأخرى، أو اهتمامه بأمور كالتجارة، والحكم، ورحلات السفر الطويلة، أو دخول رجل آخر في حياتها، ومراودتها عن نفسها، وتحبيب (الحب الحرام) لها، أو اغتصابها اجتماعياً عنوة عن أهلها ومجتمعها، وجعلها تعيش حياته (أي الغاصب) مكرهةً.‏

وغالباً، ما تفعل المرأة العاشقة من أجل عشيقها المستحيلات من أجل الوصول إليه، أو فكّ أسره، أو إخراجه من السجن، أو إنقاذه من الورطات والمواقف الصعبة التي قد يتعرض لها. فالمرأة العاشقة، تصل في (الليالي) إلى السلطان من أجل إخراج عشيقها من السجن، وحين يوافقها السلطان على طلبها شريطة مواقعتها، تقول له: »حباً وكرامة، ولكن في بيتي!« فيوافقها، وتواعده، وكذلك تسعى إلى الوالي، والقاضي، والوزير، وتواعدهم جميعاً بعدما استحلوا جمالها، واستحلبوا أوقاتهم الجميلة للظفر بها، وفي الليلة الموعودة، تذهب المرأة إلى النجار وتطلب منه أن يصنع لها خزانة بأربع طبقات عريضة وطويلة، وأن يأتي بها في الحال إلى بيتها، وأنها ستعطيه الأجر الذي يريده، ولكن النجار لا يطلب منها إلا مواقعتها أيضاً فتوافق شريطة أن يجعل الخزانة من خمس طبقات. وفي أول جزء من الليلة تستقبل السلطان وهي برقيق الثياب، فتسمعه جميل الكلام وأعذبه، وتنادمه، وتسقيه الشراب، وتطعمه أحسن الطعام (وكل ذلك في غياب زوجها السجين) وعند لحظة التلاقي والمواقعة (وقد خلع السلطان ثيابه الرسمية ولبس لباس المهرجين المضحكة بعدما طلبت منه ذلك وأقنعته به) يُقرع الباب، فتسرع وتواريه في أولى طبقات الخزانة، وهكذا تفعل مع الجميع بعد أن تأخذ ورقة العفو عن عشيقها، والقاضية بإخراجه، وتذهب بها إلى السجن، وتصطحب عشيقها:‏

* »أما القوم، فإنهم ظلّوا في طبقات الخزانة ثلاثة أيام بلا أكل فانحصروا لأنهم لثلاثة أيام لم يبولوا، فبال النجار (ساكن الطبقة الخامسة) على رأس السلطان، وبال السلطان على رأس الوزير، وبال الوزير على رأس الوالي، وبال الوالي على رأس القاضي«(4).‏

ولا تتوانى (شهرزاد) عن إيقاع العقاب على المرأة التي تقدم شهوتها (انكشافاً) على كل شيء، والتي تجعل عملها وحياتها وسلوكها وقفاً على التمتع واستجرار الشهوة ليس مع الرجل العشيق فقط، وإنما أحياناً مع عبد من عبيد الدار، أو القصر (وواقعته للمرة الأولى دون أن تعشقه فتعلقت روحها به)، وأحياناً أخرى تتم المواقعة الجسدية مع بعض الحيوانات النشطة جنسياً؛ والسبب في ذلك يعود في قناعتي إلى عدم فهم طبيعة المرأة من قبل الرجل، أي أن السبب يعود إلى أنانية الرجل وقناعته بأنه (فاعل) فقط، وليس من المهم أن يصبح (متفاعلاً) معها، أي ليس من واجبه أن يسأل أو يدرك، أو يعرف بأن زوجته قد انفعلت أم لا!! إن عدم توليد الانفعال، عند المرأة، والانسحاب الذكوري دون أي اكتراث لطبيعتها الأنثوية، يولدان دائماً (التطلع) نحو الآخر الذي تتوسم فيه أن يكون قادراً على توليد ما عجز الزوج عن إنجازه حتى ولو كان عبداً أو حيواناً. والأمثلة الشاذة التي تسوقها (شهرزاد) في (الليالي) عن النساء الشبقات إنما هي أمثلة غايتها الجوهرية فصم هذا الاستثناء عن مشيمة الحياة الطبيعية الاعتيادية للنساء، وتصويرها (للممارسات الشاذة) على أنها حالات مرضية لا تمثل حال المرأة السوية.‏

إن اضطراب العلاقة الزوجية في أكثر حكايات (الليالي) يعود إلى عدم فهم الرجل لطبيعة المرأة، أو عدم تنازله عن منزلته (البطريركية) ليساوي نفسه بالمرأة في موقف صعب جداً بحاجة إلى تفاعل الطرفين وذوبان أحدهما بالآخر.‏

لقد أفسحت (شهرزاد) مجالاً واسعاً لتعبر بلغة النقد (من خلال حكاياتها) عن سيطرة الأبوية الممركزة في الذكورة على مقاليد الحياة الاجتماعية كسلطة اجتماعية، لا دور للمرأة فيها سوى الإذعان، ولكنها مع ذلك، تفسح المجال لتشرح أحوال المرأة الاجتماعية، وتعرض قصصها، وتبدي جروحها الذاتية والجمعية معاً. وهي جروحٌ نازفة، لا يشكل الجرحُ الذي أصاب (شهريار) أعني خيانة زوجته، أية ندية أو مناددة مع جروح المرأة الكثيرة المميتة! إن (شهرزاد) لا تسعى إلى نسف المجتمع الذكوري، ولا إلى إزاحته، وإنما تسعى في (الليالي) إلى خلخلة البنية (البطريركية) للمجتمع، والإشارة إلى نتائج أفعالها العدوانية الواقعة على المرأة التي تلعب أدواراً دفاعية عديدة غايتها الإفلات من سطوة هذه الأفعال التي تقودها إلى مربع التهميش والإذلال والإذعان والخضوع. فأدوار المرأة.. منجبةً، وماتعةً، ومسليةً، وفاضلةً.. الخ لا تخرج عن دائرة الإذعان للرجل أو الخضوع له، بقولة أخرى المرأة في (الليالي) لا تمارس أدوارها الاجتماعية من أجل تحقيق ذاتها وحسب، وإنما تمارسها من أجل إرضاء الرجل، أو استقطابه، أو الاستحواذ عليه. ومهارة (شهرزاد) الفائقة في (الليالي) تتبدى من خلال تلاعبها بأدوار الحواس ووظائفها، فهي التي وعت أن حاسة البصر عند (شهريار) هي التي شاهدت فعل خيانة زوجته، فشكّلت جرحه الغائر، لذلك سعت إلى محو مجتبيات هذه الحاسة أي عوائدها وغنائمها عبر حاسة السمع التي أصابتها غيبوبة الإنصات لقصص (شهرزاد) التي سحبت إلى ذهنية الملك (شهريار) مجتمعات أخرى، وتواريخ أخرى، وعوالم أخرى.. تبدي أفعالاً وممارسات هي أشدّ فظاعة مما فعلته زوجته (الخائنة) ومع ذلك لم يقترف أي من أزواج هؤلاء النساء فعلة القتل. وبصّرته لأنه ملك عادل، ونبيل، (عبر أمثلة عديدة) أن أفعاله ما كان لها أن تحيد عن سكة العدالة والنبل.‏

في حكاية وردان الجزار، نرى امرأة لها علاقة جنسية ــ شهوانية مع دب، أسكنته تحت الأرض، تنزل إليه لتأكل وتشرب معه وتولّد لذتها أيضاً، ويصفها وردان، ويصف فعلها قائلاً:‏

* ».. فنزعت ثيابها، ونامت، فقام الدب وواقعها وهي تعاطيه أحسن ما يكون لبني آدم، حتى فرغ وجلس، ثم وثب إليها وواقعها، ولما فرغ جلس واستراح، ولم يزل كذلك حتى فعل عشر مرات، ثم وقع كل منهما مغشياً عليه«(5).‏





وفي حكاية أخرى، نتعرف إلى ابنة أحد السلاطين التي قبلت مراودة عبد من عبيد قصر والده، »فافتضّ بكارتها، وأولعت بالنكاح فكانت لا تصبر عنه ساعة«(7)! إلى أن هجرها العبد، وما عاد يطيق إلحاحها، و لم تتخلَ عنه ترغيباً ووعيداً إلا بعد أن هدّدها بكشف أمرها لأبيها، وقد علمت بعدئذٍ، حين أصبحت وحيدة لا عشيق لها أن القرد ينكح أكثر من غيره من الحيوانات، فأخذت قرداً، واعتزلت به عن الناس، وراحت تواقعه على هواها إلى أن اكتُشف أمرها، فيقتل القرد بسببها، وعندئذٍ تطلب ابنة السلطان الموت لنفسها وقد راح عشيقها الثاني مولّد اللذة الدائمة لها. غير أن الشاب الذي ارتضاها على عيبها، وعدها أن يواقعها المرات التي تريدها، فتوافق على الزواج منه، لكن الشاب لا يقوى على إرضاء رغبتها (الشبقية) فيشكو أمرها وأمره لعجوز عارفة بأمور الشهوة والشبق، فتحلّ مشكلة المرأة بأن تُخرج منها دودتين إحداهما سوداء، (عائدة للعبد ــ العشيق الأول) وثانيهما حمراء، (عائدة للقرد ــ العشيق الثاني) وبعدئذٍ ما عادت المرأة تطلب النكاح إلا بمقدار معتدل.‏


و(الليالي) لا تنظر إلى (المرأة) و(الرجل) إلا هذه النظرة، وما ذكرها لمثل هذه الحالات الشهوانية ــ الشبقة وإفاضة الحديث حولها إلا من باب الإحاطة والشمولية بالشواذ لنصل إلى الاعتيادي والطبيعي، لأن الحكايات في (الليالي) لا تكتفي بتوصيف ما يتم من سلوكات شاذة، وإنما تمضي إلى توصيف النهايات المدمرة اجتماعياً لتلك العلاقات الإنسانية. فكل النساء الشبقات، في (الليالي) مضين إلى المصير المدمر والمخرّب لمعاني اجتماعيتهن (عدم بناء الأسرة) وإنسانيتهن (معاشرة الحيوانات)، بل والذي أدّى (أي فعلهن) إلى طيّ حياتهن نهائياً ب‍(الموت)!!.‏

ولاشك أن (شهرزاد) التي اطلعت كثيراً على العلوم والفلسفة، وحوادث التاريخ، وأخبار المجتمعات وقصصها، كانت محيطة بفلسفة اليونان خصوصاً ما يتعلق منها بنظرية (الإفراط والتفريط) باعتبارهما حدّين يقعان في الأقاصي، والاعتماد على الوسطية والاعتدال في السلوك، والتصرفات. لا بل إن الوسطية كانت معياراً إسلامياً تقاس به الأفعال في المجتمع الإسلامي.‏

ونرى أيضاً، بأن موضوع الجنس ما بين (الرجل) و(المرأة) إن مضى في هذا الاتجاه وحده (أي موضوع الجنس والمعاشرة الصرف) فإن نهاياته مدمرة ومميتة، فهذا هو (شهريار) الذي انصرف إلى تلبية رغبات ذكورته ثلاث سنوات، قبل وصول (شهرزاد) إليه، كان الموت من نصيب كل الفتيات الأبكار اللواتي عرفهن، كما كان نصيبه هو انغلاق نفسه على ذاتها وحيوانيتها، وغريزتها العمياء حين اختصر هذا المخلوق الجميل (المرأة) واعتصره إلى مجرد متعة إن كان قد عرف المتعة أصلاً قبل معرفته ب‍(شهرزاد)(9)!. ومثل هذا الفعل (قتل الآخر وهو هنا قتل المرأة) لا يفعله الرجال فقط وإنما تفعله النساء أيضاً. فالملكة (جانشاه) التي عاشت طويلاً، كانت تعاشر كل غريب يدخل مدينتها، وبعد استمتاعها به تقتله. فممارسة الجنس بالنسبة إليها هي كل شيء، و(الرجل) عندها ذكورة فقط، ما أن تعرفها حتى يتبعها الموت كخاتمة(10).‏

لقد قدمت (شهرزاد) في (الليالي) فهماً عالياً لطبيعة المرأة وأنوثتها، بكل اعتدالها، وانطفائها، وشططها وشبقها، لتعلّم (شهريار) أن المعرفة هي الكفيل الوحيد بفهم الآخر، والوصول إليه ليس إلا مقدمة لحياة ملأى بالمشتهى والمرغوب؛ فبالمعرفة ينتظم السلوك، وتنتظم الذات، وتضبط الانفعالات مهما كانت أمواجها عالية، وتختفي مشهديات الموت، فيطمئن المجتمع، وتذوب التهديدات الموجهة للبنية المعرفية الاجتماعية.. لذلك تبدو بيارق الفرح حين تسود معطيات العدالة والحكمة.‏

ولعلّ حذق (شهرزاد) وفطنتها قاداها إلى أن تسلط الضوء على الكثير من حالات الشذوذ عند الذكور تجاه المرأة، أي خيانتها، لأمرين اثنين، الأول: صرف ذهنية (شهريار) عن الاعتقاد الكامل المطمئن بأن الخيانة خاصية المرأة وحدها. والثاني: أن الشذوذ موجود في المجتمعين (الذكوري) و(الأنثوي)، وإن ظهورات (خيانة) الرجل للمرأة (الزوجة) أكثر بروزاً من (خيانة) المرأة للرجل، ذلك لأن الرجل يتباهى بأفعاله (وإن كانت خيانات) بسبب احتمائه بنفوذه الذكوري في المجتمع، بينما المرأة لا تجرؤ على البوح بأسرار علاقتها مع الرجل أو الحديث عنها ولو تلميحاً. وهي تعلم جيداً أن المباهاة بمثل تلك العلاقة (أو الكشف عنها وإن كانت علاقة مع أمير أو والٍ أو تاجر كبير، أو رجل صاحب نفوذ) ستؤدي (أي المباهاة أو المكاشفة) إلى موتها، وإن لم يكن الموت جسدياً (مادياً) فهو سيكون اجتماعياً (روحياً).‏

ففي حكاية عمر النعمان(11) الذي يمتلك ألف جارية أو سرية جميلة، نجده (ولنلحظ الشهوانية ونوازعها) يرغب بعشيقة ابنه التي يزمع الزواج منها، فيواقعها دون أي اعتبار لابنه ويفتضّ بكارتها. والأمثلة المشابهة كثيرة جداً، وإلا ما معنى أن بعض الولاة، والوزراء، والتجار يدفعون الكثير من أموالهم من أجل قضاء ليلة بصحبة جميلة، أو شراء جارية ذات صيت وجمال، أو الزواج مرات ومرات سراً وعلناً؟! أليست هي الشهوة الذكورية الباعثة على سلوكات كهذه؟! بلى، ولعلّ روح النزعة (البطريركية) في المجتمع تيسِّر ذلك للرجل، وتمنعه على المرأة.‏

وانتفاء العلاقة ما بين (الرجل) و(المرأة) في (الليالي) تعني القطيعة مع الحياة. فـ (شهريار) الذي قطع علاقته مع الفتيات الأبكار اللواتي سبقن (شهرزاد) إلى فراشه نفى حياة هؤلاء الفتيات لأنه لم يقم علاقة إنسانية اجتماعية معهن، وقد أورث نفسه شيئاً من مأساوية فعله. تماماً مثلما هو الزاهد الذي ارتضى الحياة بعيداً عن النساء، فقد أقام قطيعة مع الدنيا كلها ومضى إلى الاتجاه (الأخروي) الذي اقتنع بوجوده.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mtz4.yoo7.com
 
ألف ليلة وليلة الذكورة والأنوثة:(تآلفٌ أم تنافر) موضوع جديد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مـــنــتـــــــــــديـــــات الــــــــــعــــــــــاشـــــــــق الــــــــرومــــــــانـــــس :: منتدى التراث العربي-
انتقل الى: